يتبادر إلى الذهن مباشرة حينما نقول ” فقر ” الحاجة للمال .. ويغيب عن الأذهان الأنواع الأخرى للفقر ..
نعم .. هناك أنواعٌ كثيرة للفقر غير الفقر للمال .. وقد يكون هذا النوع الذي يتبادر إلى أذهاننا مباشرة هو أخف أنواع الفقر وأقلها وطأةً وبؤساً ..
– حينما لا تتصالح مع مجتمعك .. ولا تريد به الخير .. وتسخّر قلمك أو منصبك لمصالحك الشخصية ورغباتك وأهوائك ضارباً عرض الحائط بمصلحة أبناء بلدك ومكتسبات وطنك .. فأنت فقير ..
– حينما ينفر منك أصدقاؤك لأنك لا تبالي بهم .. أو لأنك تتعالى عليهم .. أو لأنك نرجسيٌ تأخذ ولا تعطي .. لا تقدر مواقفهم ولا تشكر مساعيهم ويغيب عن ذهنك كثيراً ” العيش والملح ” .. فأنت حينها إنسان فقير ..
– إذا كنت لا تجد وقتاً ولو قليلاً للتواصل مع عائلتك وإشعارهم باهتمامك بهم وأنهم جزءٌ منك .. تمازحهم وتساعدهم وتتدارس معهم .. تألم لأتفه ما يؤلمهم وتسعد لأبسط ما يسعدهم .. فأنت حتماً فقير ..
– إذا لم يمتليء قلبك بمشاعر الحب الصادق .. ولم يخض تجربة محبة إنسان آخر غير ” نفسك ” .. إذا لم تتقطع نياط قلبك خوفاً على محبوبك وتلهبك سياط البعد عنه .. إذا لم يكن حبك بلا شروط و لا مصالح .. وإذا كان حباً تردده بلا تضحياتٍ تستطيع أن تقدمها .. فأنت بائسٌ فقير ..
– حينما تلتهي عن ما أمرك الله به وتغرق نفسك بما لم يأمرك به باسم الدين والغيرة عليه .. فتصنف فلان وتجادل علان .. وتفني عمرك ووقتك في مراءٍ وخصامٍ وحكم على النوايا وتتبعٍ للسقطات والزلات .. وإذا التفت إلى حالك وإلى حقوق أقرب الناس إليك تجدك مقصراً بحجة ألا وقت لديك .. إذاً بالتأكيد أنت فقير ..
– إن كنت تزعم أنك على درجةٍ عالية من الثقافة أو على قدرٍ عالٍ من الاستقامة .. ثم لا تسلّم ولا تبتسم إلا لمن تعرف فقط .. حينما تنبسط أساريرك أمام ” الفلاشات ” وتتواضع أمام علية القوم .. ثم بعدها تتوشح جلباب الكبر والغرور .. حينما يتمعر وجهك غضباً لله على مسألة فقهيةٍ خلافية ثم لا تتورع أن تخلف موعداً أو وعداً قطعته أو تجحد حقاً أو تهمل أمانة .. حتماً ستكون فقير ..
إن الفقر يا سادة له وجوهٌ كثيرة ونماذج متعددة وصورٌ لا تحصى .. أترك لكم المجال في سرد ما قصر عنه قلمي فلكلٍ منكم تجربته ..
ألستم معي أن الفقر للمال هو أقلها وقعاً وخطراً .. لأن من فقد المال بإمكانه أن يعوضه .. لكن من أصيب بفقرٍ اجتماعيٍ أو أخلاقي أو روحي .. كيف سيعوضه .. إلا من رحم الله ..