الانهيار الخفي في منظومة العمل .!

Published by

on

our_team 

حينما ترى منشأة ما تشق طريقها نحو النجاح بكل عزيمة وإصرار ثم ما تلبث أن تتراجع تراجعاً ملحوظاً ومتوالياً رغم أن جميع المؤشرات المحسوسة تُشير أن ليس هناك من خلل يدعو لكل هذا التقهقر فاعلم أن “الانهيار الخفي” يحدث الآن .

السوس حينما ينخر من داخل السن فإنه يعمل على التدمير بكل هدوء ودون أن تشعر بأي ألم لكن ما إن يصل إلى العصب إلا ويصعقك الألم بشدة بشكلٍ مفاجيء , وهذه حال منظومة العمل حينما يصيبها “الانهيار الخفي” فإنها تمرض لكنها لا تشعر بالمرض وحتى لو أحسّت بأعراضه فإنها تقاوم لاعتقادها أنها أعراضٌ لن تستمر طويلاً حتى تُنهكها الأمراض شيئاً فشيئاً فتسقط .

بالتأكيد أنك تتساءل : ماذا تقصد بـ “الانهيار الخفي” ؟ لقد تناول خبراء القيادة والإدارة موضوع الانهيار الخفي لكن بمسميات أخرى كـ “بيئة العمل” أو “حقوق فريق العمل” وغيرها من العناوين لكن من خلال القراءة المتعمقة والتجارب العملية وجدت أن الموضوع أخطر من ذلك حيث أن الكثير من القادة يظن أنه يهتم ببيئة العمل أو حقوق فريق العمل وهو لا يشعر أنه في الطريق الخاطيء في بعض ممارساته السلوكية كقائد , وذلك يرجع لكونه خفي عليه أمرٌ ما لا يمكن مشاهدته جلياً في القوائم المالية للمنشأة أو تقارير الأداء .

إذاً ما هو “الانهيار الخفي” ؟ سأُجيب عن هذا السؤال بسؤالٍ آخر , حينما يكون لدى قائد المنشأة رؤية طموحة ورسالة واضحة , ويمتلك روحاً مخلصة للعمل وجدية وقدوة حسنة في الانضباط فهل هذا يحفّز فريق عمله على الإنجاز والتفاني لتحقيق رؤية ورسالة المنشأة؟

بالطبع نعم , حتى هنا فإن الأمور تبدو جميلة جداً وسيهتف الجميع بأن هذا القائد وفريق عمله سيصلون إلى مبتغاهم , ولما لا ؟! فالرؤية طموحة جداً والرسالة واضحة جداً والقائد يتقدم فريقه نحو العمل والإنجاز وفريق العمل مشمرون عن سواعدهم بكل جد خلف قائدهم , أليس المنظر مهيباً ويدعو للفخر ؟!

لكن بعد فترة من العمل والإنجاز والإبهار والتصفيق والاحتفال يلاحظ فريق العمل بأن قائدهم يحمل سلوكاً سلبياً يصيبهم بشيءٍ من الإحباط والوهن , فهو لا يُشعرهم بقيمة جهدهم معه ولا يشاركهم رؤيته وتطلعاته أو لا يُكافئهم بما يستحقونه أو يظلمهم في حقوقهم المعنوية والمادية , أو من ناحية أخرى أن يترك المجال طويلاً للصراع بين أفراد الفريق والتنافس غير الشريف أو يفسح المجال للفوضى وتداخل المهام وضبابية المسئوليات أو يُخل بميزان العدالة .

إن من القادة من يظن أن فريق عمله مجرد آلاتٍ يجب أن تعمل دون أن تسأل وأنه هو وحده من يقرر متى وكيف ستجري الأمور , والغريب أنه يريد لهذه الآلات أن تعمل دون توقفٍ أو صيانةٍ أو تطويرٍ أو عناية , حتى إذا تعطلت أفضل مكينة لديه بسبب إهماله لا يتورع أن يرميها ويزيد الجهد على بقية المكائن – و لاحظ أنه يزيد الجهد لا أن يأتي بمكينة جديدة –

وهذا النوع من القادة يتضايق كثيراً حينما يطالب فريق عمله بمميزاتهم وحقوقهم لأنه يشعر أنهم لا يعملون بولاء !! وهل الحرمان هو ما سيحقق الولاء ؟ إن مثل هذا النوع من القادة لا يدرك أننا “نعمل لنعيش لا نعيش لنعمل” وغالباً هو من محبي قانون “العصا والجزرة” .

وهنا يعيش فريق العمل في حيرة من أمرهم ولا يمنعهم من التوقف عن العمل إلا أنهم في كل مرحلة من مراحله يُمنّون أنفسهم بالتغيير وتحسّن الأمور لأنهم يحسنون الظن بقائدهم , ثم تبدأ الآمال والأماني بالتلاشي شيئاً فشيئاً حتى يبدأ كيان المنشأة المريض بالدخول في مرحلة الوَهَن والإعياء ثم يبدأ الانهيار , ما الذي سيحدث حينها ؟

سيبدأ المميزون بالتسرب من المنظمة , ثم يبدأ الأداء بالتذبذب ثم بالضعف بشكل تدريجي ويظل المدراء الأقل تميزاً صامتون خوفاً على مناصبهم وفي أول فرصة تسنح لهم بالهروب سيهربون , أما بقية الموظفين فينتشر بينهم التذمر , يحتجون , يعترضون , لن يستمع لهم أحد بحجة أنهم يقدمون مصالحهم الشخصية على العمل أو أن مطالباتهم مبالغ فيها أو غير مبررة أو تقال عنهم العبارة العامية ((يحمدون ربهم أننا مشغلينهم)) .. إلخ

في ظل هذه الأجواء يكون القائد مغيّب تماماً عن السوس الذي ينخر في منظومة العمل والذي طبعاً هو مِن صُنع يده .

إن أعظم مشكلة في مسألة “الانهيار الخفي” هو أن القائد آخر من يعلم بهذا الانهيار , حيث أن الأمور أمامه تبدو على ما يرام , الجميع يعمل بهمة ونشاط ورغبة , تبدأ تلك المظاهر صادقةً ثم تتحول إلى مجاملات وخوف على مناصب وغير ذلك من الأسباب , ولكن كيف نعرف أن المنظومة متجهة نحو “الانهيار الخفي” فلا بد لكل مرضٍ من عَرَض يستدل به الراغبون بالإصلاح , ومن وجهة نظري أن الأعراض تتمثل بعدة أمور :

منها انتشار الإحباط واليأس في أوساط فريق العمل سواءً على المستويات العليا أو الدنيا منهم لكنها تنتشر أولاً لدى موظفي المراتب الدنيا ثم تبدأ بالاستشراء حتى تصل للمدراء , حينها يتولد لديهم الشعور بأن الأمور المتعلقة بمصالحهم لا تتجه نحو الطريق الصحيح وأن موعد قطف ثمار تعبهم سيطول إلى أجلٍ غير معلوم ,

ومن الأعراض أيضاً تفاقم الخلافات في بيئة العمل بين أعضاء الفريق وظهور الحزازات والعداوت بشكل لافت مما يسمح بخلق بيئة حاضنة للقيل والقال ونشر الإشاعات والنميمة ,

ومن الأعراض أيضاً سوء التعامل مع العملاء وعدم الرغبة في خدمتهم أو تعمد تعطيل معاملاتهم , في اعتقادي تلك أبرز المظاهر التي من خلالها نستطيع أن نكتشف أن الانهيار الخفي يهدد هذه المنظمة أو تلك بشكلٍ مبكر قبل استفحال المشكلة .

ليتذكر كل قائد أن جسد المنشأة كلما قوي وخلا من الأمراض استطاع أن يُنجز ويعمل ويبدع , ولذا فإن المنتج الجيد والخدمة السريعة تبدأ من الداخل .

أحمد بن عبدالعزيز الجبرين

ردان على “الانهيار الخفي في منظومة العمل .!”

  1. صورة أفاتار
    غير معروف

    هذه المقاله اصبحت لدي مرجع
    لأنني أعاني وأعاني
    انت يا استاذي تصف ما أعيشه بحذافيره
    ولكن ما العلاج ؟؟
    كنت قبل ان يدب الوهن احب عملي جدا جدا
    والان اجر ساقي الى المكتب جرا
    انتظر فرصة الهروب الى خارج أسوار عملي
    ولكنني اتساءل حقا مالعمل
    هل الهروب من هذا الوضع هو الحل فقط ؟؟
    ناديت حتى جف ريقي وضاع صوتي
    هذا الرئيس لا يستجيب هو يرى انه يحسن من حيث يسيء
    هل من شيء من تجربتك تشاركنا اياه

    Liked by 1 person

    1. صورة أفاتار أحمد عبدالعزيز الجبرين

      مرحباً بك عزيزي ..

      تجاربي كثيرة ومتنوعة .. قد تنطبق على صاحبك وقد لا تنطبق ..

      الحل الفعال يحتاج لمعرفة تفاصيل عملك ومهامك ثم ماهي المشاكل التي تعانيها من مديرك ثم ماهي خلفيات مديرك الإدارية والثقافية والسلوكية …الخ هناك أسئلة كثيرة نشخص فيها الحالة وبناءً على التشخيص نجد العلاج كالطبيب تماماً ..
      وعموماً أقولها وبكل أسف سنحتاج لمدة طويلة لتحسين بيئة العمل لدينا ..
      شكراً لمرورك وفي حال كنت بحاجة لتوجيه بإمكانك أن تشرفني بالاتصال على رقمي الموجود في السيرة الذاتية ..
      تحياتي وتقديري .

      إعجاب

أضف تعليق