يتداول المجتمع السعودي اليوم على جميع مستوياته موضوع “التحرش” بعد وقوع أكثر من حادثة تحرش في وقت وجيز خلال الفترة القريبة الماضية , والمتتبع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي يلاحظ تباين وجهات النظر واختلافها حول تشخيص المشكلة وأسبابها وطرق حلها , وسألخص على عجالة أكثر الأسباب التي تم طرحها من قبل شرائح متعددة من خلال متابعتي للموضوع :
- عدم احتشام الفتيات هو سبب التحرش
- عدم وجود قانون للتحرش هو السبب
- عدم تكثيف تواجد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو السبب
- ضعف التربية وغياب الثقافة
وكان السجال محتدماً وحماسياً بين الجميع , والحقيقة أنني اختلف مع وجهات النظر المطروحة كونها تعد تلك أسباب رئيسة في القضية , أما أنا فاعتبرها أسباب بلا شك إلا أنها ليست هي القاعدة التي نشأت منها المشكلة , وإن كنت سأميل لرأي من الآراء الأربعة سالفة الذكر فإنني سأرشح السبب الرابع وهو ضعف التربية المنهجية والثقافة الأخلاقية التي يتلقاها شبابنا وفتياتنا إزاء بعض القضايا ومنها قضية “التحرش” , ولنأخذ على سبيل المثال العبارات التي رددها كثير من المحسوبين على فئة المربين والدعاة وهي ( لو كانت محتشمة لما تم التحرش بها ) !!!! وكأن ذلك إذن واضح وصريح بأن أي فتاة غير محتشمة “في معاييرهم طبعاً” لكم الحق أيها الشباب بالتحرش بها , إذاً لدينا خلال في ثقافتنا وتربية الجيل على السمو الأخلاقي في مثل هذه المواقف .
من وجهة نظري أن السبب الأول في تحول التحرش إلى ظاهرة لدى مجتمعنا والقاعدة الأساسية التي نشء منها هذا الخلل هو عدم وجود بيئة حاضنة للشباب والفتيات , وحينما أقول بيئة حاضنة أي بمعنى برامج فعلية جاذبة من ناحية الشكل ومفيدة من ناحية المضمون بحيث تستهدف العقول والأرواح وتشبع نهمها في شتى أنواع المعارف وليست مجرد برامج هشة وسطحية ومؤقتة .
المملكة دولة فتية حيث أن شبابها وفتياتها يمثلون النسبة الأكبر على مستوى التعداد السكاني , هذا الجيل للأسف في الوقت الحالي يمارس هواياته وأنشطته بشكل عشوائي وبصورة فردية واجتهادات مبعثرة من هنا وهناك , وينمي ثقافته وحب الاستطلاع لديه إما من الشارع أو من خلال شبكات التواصل ! , ولنا أن نتخيل كم من المكاسب التي ستفوت على مجتمعنا وبلدنا حينما يكبر هذا الجيل وكل همه محصور في ملاحقة الفتيات اللاتي يركبن “الدبابات” , والتفكير بحيلة لدخول المجمعات التجارية أو مدن الألعاب لمغازلة هذه أو تلك , أو يكون همه إضاعة الوقت في تويتر بـ “قصف جبهة فلان وعلان” والدخول في المشاحنات والتصنيفات , أو يكون فريسة لأفكار وجماعات إجرامية أو إرهابية – ألم نسأل أنفسنا يوماً لما الكثير من شبابنا نجدهم مع الجماعات الإرهابية؟! – أو يكون في أحسن الأحوال إنسان معطّل الفكر يقضي وقته بين مطاعم الوجبات السريعة ويسهر ليله على ألعاب “البلاي ستيشن” !! , إن ناقش في مسألة قيل له حرام وإن خالف عُرفاً أو عادة قيل له عيب وإن أراد أن يحاور تم إلجامه , وماذا بعد ؟
الشباب يحتاجون إلى من يحتويهم ويقدم لهم الفرصة للنمو والارتقاء , النمو العقلي والمعرفي والروحي والأخلاقي , يحتاجون إلى من يشعرهم بأهميتهم وأنهم هم رهان المستقبل وحجز الزاوية في النهضة التي تطمح لها بلادهم ومجتمعهم .
ما المطلوب بالضبط ؟
المطلوب هو تصميم برامج تستهدف الفئات العمرية المختلفة من سن 7 وحتى 22 سنة .
ما طبيعة هذه البرامج ؟
- منوعة تجمع بين الترفيه والتعليم والتربية والفكر والسلوك والصحة والفنون .
- مستمرة طيلة العام .
- تخصص لها أماكن مناااااسبة .
- تكون تحت مظلة رسمية وبإشراف مجموعة من ((( المتخصصين))) في علم النفس والتربية والصحة والسلوك والفنون والفكر .
- تمكين الشباب المميزين من خلال دمجهم في برامج أكثر تركيزاً وخصوصية تمهيداً للاستفادة منهم في مناصب ومسئوليات في الدولة , وأنا أعتبر هذه النقطة هي “زبدة” الموضوع وخلاصته , فإن لم تتحقق ليس هناك أي فائدة من إقامة تلك البرامج .
وبعد , إنني لا ألقي اللوم في مسألة “التحرش” على فتاة ركبت ” دباباً” أو شاب تجرأ لمعاكستها , لأنهم هم الحلقة الأضعف , إنني أحمل المسئولية الكاملة لثلاث جهات اعتبرها هي المسئولة بشكل مباشر عن الخلل من وجهة نظري :
- وزارة التعليم .
- الرئاسة العامة (( لرعاااااية )) الشباب .
- القطاع الخاص وما أدراك ما القطاع الخاص .
إن كانت هناك من عقوبة ستقام على أي قضية تحرش أو إرهاب أو جرائم يكون الشباب طرفاً فيها , فيجب أن تنال تلك الثلاث جهات حظها من العقوبة , حتى تقوم بدورها الفاعل والحقيقي تجاه الشباب وبعد ذلك ستكون ساحتها بريئة من أي تهمة .
إذا تم ذلك , أعتقد حينها نستطيع أن نتحدث عن أهمية وجود قانون للتحرش وغير ذلك من المطالبات .
أحمد بن عبدالعزيز الجبرين
الرياض / 12-10-1436هـ