مستهلك واعي وشركة لم تعي بعد ..!
لم تعد قوة التسويق الإعلاني اليوم مهما بلغ ذكائه ذا أثر كبير على نفوس المستهلكين , فالمستهلك اليوم بات أكثر وعياً وأكثر حذراً , و أصبح متطلباً أكثر من ذي قبل فهو يبحث ويقارن ويحلل ويستنتج قبل أن يتخذ قرار الشراء , وفي حال اشتداد المنافسة بين العلامات التجارية على منتجات متشابهة فإن حاجة تلك العلامات اليوم للتقرب من المستهلكين أكبر من أي وقتٍ مضى وإلا سوف تدفع الثمن غالياً وغالياً جداً .
في المقاطعة الأخيرة التي قادها مجموعة من الغاضبين على منتجات شركتي المراعي والصافي رأينا ازدياد الوعي من جانب المستهلك في حقه بالتعبير عن عدم رضاه عن علامة تجارية إما لسوء الجودة أو لزيادة الأسعار أو حتى تعبيره عن مدى غضبه بعدم التجاوب مع تساؤلاته و عدم احترام حقوقه كمستهلك وعميل , وفي المقابل نلاحظ غياب الوعي التام بأصول المحافظة على العلامة التجارية حيث أن تلك الشركتين لم تتعاملان مع الموقف بالشكل الاحترافي الذي كان يتمثل في أمور مهمة جداً لن تكلف الشركة 1% مما تنفقه حسب ظنها على تحسين سمعتها من خلال الإعلانات المباشرة وغير المباشرة لكنه سيكلفها الكثير من العمل الذهني الاحترافي لتنمية استثمارها في علامتها التجارية .
لا تتجاهل عميلك فقد تخسر الولاء .
إن أسلوب التجاهل وعدم المبالاة أزم الموقف بشكل كبير مما جعل المقاطعة تشتد أكثر وتنتشر بشكل كبير ومؤثر , لكن الأمر الذي إن غاب عن المستهلك يجب أن لا يغيب عن صاحب الشركة وهو أن الخسارة لن تتوقف عند رجيع سوف تنتهي صلاحيته ثم يتم رميه وستتكبد الشركة خسائر ذلك , إن الأمر لن ينتهي إلى هنا بل من هنا البداية , إن الخسارة الحقيقية هي خسارة ولاء المستهلك للعلامة التجارية التي تعد قيمتها للشركات الكبرى أعلى وأكثر قيمة من منتجاتها ومصانعها واستثماراتها المحسوسة برمتها , فإذا ما خسرت الشركة الولاء لعلامتها التجارية انهارت من فورها حتى لو كانت تملك ” أكبر أسطول ” و ” أعلى جودة ” و ” ألذ منتج ” , وهذا مالم نلمس مراعاته من قبل أصحاب الشركتين , في أحد اللقاءات الصحفية صرح مدير عام سابق للشركة العملاقة كوكا كولا قائلاً ( إن مصانعنا غداً يمكنها أن تحترق أو تسقط أرضاً ومن الصعب أن يمس ذلك قيمة مؤسستنا , وهذا راجع للمصداقية التي تتحلى بها علامتنا ) هكذا تكون الثقة حينما تكسب الولاء .
الإعلان لا يصنع هوية ناجحة .
إن على شركة بحجم المراعي أو الصافي أن تعيد النظر في سياسات إدارة الهوية التجارية لها حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه فالموازين تبدلت كثيراً , وأصبحت قواعد اللعبة تتحدث عن علاقة حميمة لا بد أن تنشأ بين الشركة والمستهلك تتحدث هذه العلاقة عن عالم مليء بالوعود والثقة وتوفير أعلى درجات الاحترام والراحة النفسية عبر عمليات فنية وسلوكية وخطط استراتيجية لإدارة الهوية .
العلامة التجارية جزء لا يتجزأ من الاستثمار الحقيقي لأي شركة كبرى ولن ينقذ هذا الاستثمار من الخسارة إعلانات تجارية أو حتى خطط تسويقية لأن الإعلان لا يصنع هوية تجارية ناجحة , بل يجب أن يتم المحافظة على هذا الاستثمار بوضع استراتيجية احترافية لإدارة الهوية تتناول كافة جوانبها وأطرافها عبر متخصصين لهم معرفة تامة بالبيئة التي يتم رعاية هذا الاستثمار فيها .
لم تعد المراهنة اليوم في عالم الهوية التجارية على الجودة فقط , فالمستهلك ينظر للجودة التي في ذهنه وليست الجودة الحقيقية الموجودة في المنتج , فمثلاً إذا طالعت نشرة “تقارير المستهلك ” التي تصدر دورياً في الولايات المتحدة لتقييم جودة السلع وأحجام مبيعاتها من وجهة نظر المستهلكين ، ستتعجب من الآتي : أكثر السيارات جودة جاءت في المرتبة الثانية عشر من حيث المبيعات بينما ثاني أجود سيارة جاءت بالمرتبة الثامنة من حيث المبيعات أما ثالث أجود سيارة أتت في المرتبة الأخيرة من حيث المبيعات !! .
إذاً الموضوع يتعلق بالهوية كاستثمار يجب على أي شركة كبرى أن تحافظ عليه , والمحافظة عليه يجب أن يكون باستخدام الطرق الاحترافية لكسب ولاء المستهلك والتأثير إيجاباً على سلوكياته لا استفزازها .
أحمد بن عبدالعزيز الجبرين
1437/1/1 هـ