لا تسرق محفظتي وتعطيني حلوى ..!

Published by

on

1035852_max

 

المحفظة هي المكان الذي يضع فيه الإنسان أغلى ما يملك فإذا سُرقت شعر بأن حياته في خطر .. تخيل معي لو أن لصاً سرق محفظتك التي تحتوي على بطاقاتك الائتمانية وبطاقة أحوالك ورخصة القيادة ومبلغ مكون من آلاف الريالات ثم شاهدك من بعيد وأنت منهار واضعاً يدك على رأسك فرأف بحالك وذهب إلى أقرب محل حلويات واشترى من “محفظتك”! قطعة حلوى لذيذة جداً ثم أقبل نحوك وقال : تفضل يا عزيزي هذه الحلوى .. ثم أردف قائلاً : معك اللص الذي سرق محفظتك ولقد رأيتك متأثراً جداً فأحببت أن أعطيك هذه الحلوى التي ستفرحك وتنسيك أحزانك .. ياله من لصٍ شهم حنون ..!

في حياتنا الكثير من اللصوص الذين يسرقون محافظنا ويحاولون إسكاتنا بقطع الحلوى .. لكنني هنا سأتحدث عن لصوص المجتمع الوظيفي فقط ..!

سنواتك التي تمضيها في وظيفتك ، خبراتك المتراكمة ، إنجازاتك ، مساهماتك مع فريق العمل ، أوقات الضغط ، المبادرات التي قدمتها ، الأخطاء التي اكتشفتها ، إخلاصك ، تفانيك ، تضحياتك ، تطويرك لنفسك ولعملك .. إلخ ، كلها رصيد في محفظتك الوظيفية ، وكلما زادت تلك الإنجازات كبر رصيدك وأصبحت مؤهلاً بحسب حجم محفظتك لمستوىً وظيفيٍ أعلى وأفضل ، إلا أن المجتمع الوظيفي كغيره من المجتمعات يوجد به الكثير من اللصوص الذين يحاولون السطو على محافظ زملائهم أو مرؤسيهم ثم يعوضونهم بقطعة حلوى تتمثل بحقوق أقل من المطلوب أو مناصب أقل أهمية مما يستحقون أو بوعودٍ جميلة وكلماتٍ معسولة أو حتى بسلة فواكه !!

إن المجتمعات الوظيفية التي لا تعتمد على نظام مؤسسي متكامل ، وتخضع في غالب قراراتها لمزاجية الرئيس تكثر فيها المحافظ المسروقة بشكلٍ ملحوظ وهذا ما يسبب الترهل في جسد المنظمة مع مرور الوقت فمع سرقة الجهود وعدم التقدير تضعف الإنتاجية ويتأخر الإنجاز وتكثر الثغرات ..

قبل ما يزيد على إثني عشر عاماً تقريباً طرح علي أحد الشركاء في مؤسسة إنتاج تلفزيوني مشكلة يواجهها مع فريق “المونتاج” لديه حيث أنه يعاني من ضعف وبطء في العمل على عكس ما كانوا عليه في السابق ، سألته أسئلة كثيرة وكان يركز في ثنايا حديثه على أنه قد وفر لهم جوّاً أريحياً في العمل حتى أنه لم يلزمهم بأوقات عمل محددة (حلوى) .. قابلت فريق العمل وتحدثت معهم واتضح أن المشكلة في أنه لم يكن يعطيهم مقابلاً على ساعات العمل الإضافي التي كانوا يقضونها في العمل ( محفظة مسروقة) فاتفقوا جميعاً على الالتزام بساعات العمل المحددة في العقد فقط والبحث عن عمل إضافي خارج الشركة .. مما أثر على إنتاجية الشركة وأوقعها في خسائر أضعاف المبالغ التي كان يوفرها مقابل ساعات العمل الإضافي .. تم تنظيم العمل أكثر .. ألغيت (الحلوى) وأرجعت لهم (محافظهم) فعاد الإنتاج ينمو من جديد ، والجميع أصبح رابحاً .

دائماً أردد وأقول أن على أي منظمة ترغب بالنجاح والتميز الحقيقي ألا تقبل مديراً تنفيذياً أو رئيساً إلا وهو مُلِم بالسلوك الإنساني والاحتياج البشري الذي يؤثر على الإنتاجية ويحفز على العمل حيث أن النظريات الإدارية وحدها لا تكفي ولا تفي بالغرض فإن كان لا يملك هذه الملكة يجب عليه أن يوظف مستشاراً متخصصاً يجمع بين فن القيادة والسلوك الإنساني .. وسأفرد موضوعاً خاصاً بذلك بإذن الله .

وخلاصة القول إن بيئة العمل الصحية وتحفيز فريق العمل يبدأ بإعطاء الحقوق “أولاً.. و للجميع” ( المحفظة )، بعد ذلك فإن أي حافز إضافي ( الحلوى ) سيكون مؤثراً ومحفزاً ومحل تقدير من الجميع ، أما إذا كانت الحقوق مسلوبة فإن أي حافزٍ سيكون محل تندرٍ واستهجان ..

 في سنة من السنوات أحد المدراء التنفيذيين تولى إدارة منظمة كان لها تاريخ في سلب المحافظ وعانى فريق العمل فيها لسنوات من هضم الحقوق حتى أصبحت المشكلة متراكمة بشكل يصعب معه الحل ، فاجتمع المدير الجديد مع مستشاريه وأبدى رغبته في تحسين بيئة العمل التي كساها الإحباط فخرجوا بعد العديد من الاجتماعات أن الحل الأمثل هو توزيع سلة فواكة للموظفين !! لعلها أن ( تُبرّد ) على قلوبهم فينهضوا للعمل بجد وينسوا محافظهم المسروقة ..!

إنها ليست طرفة .. إنها واقعة حقيقية .. فهل يا ترى سيستمر اللصوص بتوزيع الحلوى ؟!

أحمد بن عبدالعزيز الجبرين

21/1/1438هـ

ردان على “لا تسرق محفظتي وتعطيني حلوى ..!”

  1. صورة أفاتار
    غير معروف

    يا استاذي … ادهشني التعبير الحلوى مقابل المحفظه
    عشت حياة ربما ليست طويلة بما فيه الكفاية لكني خضت فيها تجربة سرقة المحفظة حقيقة وسرقة الجهد في العمل
    والله لم اشعر بخيبة واحباط يوازي السرقه العمليه
    حينما فقدت محفظتي تصرفت بسرعه و بقي فقط ألم فقدان بعض المال الذي كان فيها
    اما سرقة الجهد واحباطات العمل فهي لا تُنسى وكأنها نزف مستمر للمال من المحفظة
    ابشع صور الألم حين ابديت استعداد لتحمل عمل بشكل مفرد قضيت فيه 14 ساعة عمل يوميا لمدة 10 ايام متتاليه ثم في نهاية الشهر كان المفاجأه لم تحسب سوى ساعات العمل الأساسيه واضافو لها يومين عمل (حساب للجمعه والسبت )
    ولك ان تتخيل يا استاذ حجم الألم و احساس السرقه
    واما الادهى من هذا والامر ان العمل رُفع باسم مدير ادارة اخرى والشكر كان له
    .
    .
    من يوقف نزيف محافظ العمل
    من الرقيب والحسيب
    لماذا نعيش في زمن تُؤمن فيه العقوبه ويُساءُ فيه الأدب
    .
    .
    لحرفك وقع مختلف
    دمت متألقا يا استاذي

    Liked by 1 person

    1. صورة أفاتار أحمد عبدالعزيز الجبرين

      للأسف ياصديقي نحتاج لسنوات كي تتحرر إنسانيتنا لنرتقي ونؤمن بالحقوق والعدالة في كل شيء وليس في بيئة العمل وحدها ..

      أشكر لك تعليقك الثري ..

      إعجاب

أضف تعليق