أجريت قبل فترة مقابلة شخصية لصالح أحد الشركات لشاب كان يرغب بالحصول على وظيفة ، ومن عادتي في المقابلات الشخصية للوظائف الإدارية للمبتدئين ألا تقل المقابلة عن ساعتين للتأكد من المهارات الفنية والسلوكية لدى المرشح للوظيفة ، وفي أثناء طرحي للأسئلة لاحظت أن الشاب يمتلك العديد من السلوكيات والمهارات التي تفوق عمره الوظيفي بمراحل حتى أنني أطلت في مدة المقابلة إلى نحو الثلاث ساعات وكأنه يقابل لأجل وظيفة مدير تنفيذي فلما انتهيت من المقابلة سألته عن سبب هذا الكم والمخزون الرائع من السلوكيات والمفاهيم الفنية رغم قلة سنوات خبرته ، فأخبرني بأنه عمل تحت إدارة شخص مهووس بالعمل المنظم ويحرص دائماً أن يربط سلوكيات فريق العمل بالقواعد المهنية عن طريق التعليم والبحث والممارسة وليس عن طريق الأمر والتوجيه المباشر.
البعض من المدراء تعمل تحت إدارته لمدة سنة واحدة فقط ” بالعمر الزمني ” ، لكنها تعادل العشر أو الخمسة عشر سنة التي قضيتها في وظيفتك ” بالعمر المعرفي والسلوكي والفني ” .
إنك تعيش معه كل يوم وتترقب كلماته التي تخرج من بين شفتيه وإشارات يده وحركات جسده ، فتوحي إليك كل يومٍ بشيءٍ جديد .. تدفعك نحو فكرة .. أو تحفز فيك همة ، تذهب كل يوم لمكان عملك متلهفاً كي تقابله وتعرض عليه آخر تطوراتك وإنجازاتك فيعطيك تهنئةً حارة ولا يلبث إلا أن ينتشلك من جو الفخر والاعتزاز بالإنجاز إلى أجواءِ تحدٍ جديد وهدفٍ أبعد وطموحٍ أكبر .
تجد لديه الإجابة الشافية لما ألتبس عليك من مفاهيم في عملك ، تتعلم الكثير من السلوكيات والمهارات والمعارف على يديه ، يدفعك نحو المزيد من المعرفة والعمل حتى لو كنت ترغب بالراحة وتتململ من كثرة التحديات التي يزرعها في طريقك ، لكنك حينما تصل للهدف الذي رسمه لك تشعر حينها بحلاوة الإنجاز العظيمة .
لقد أطلقت على هذا النوع من المدراء مسمى ” مدير البركة ” ، لأنك بمجرد أن تعمل تحت إدارته لعام واحد فقط ستشعر بكمية كبيرة جداً من المعارف والسلوكيات قد تسربت إليك دون أن تشعر .
ألا يجب أن تكون معايير التعيين للمدراء على هذا الأساس ؟
بينما يرزح الكثير من الموظفين تحت وطئة مديرٍ نمطي ، يومه كأمسه ، شهره كسنته يشعرون معه ببطء ساعات العمل ، ويقتلهم الروتين ، وتُضعف لياقتهم الرتابة ، ولذا تجد الموظف الذي استمر تحت إدارته عشر سنوات أقل إمكانيات من موظفٍ جديد تحت إدارة ” مدير البركة ” ، إنه أشبه بلاعبٍ محترف وضعه مدربه الأخرق على دكة الاحتياط مدة طويلة حتى فقد حساسيته للمباريات ففقد مهارته وتدهور مستواه وضاع مستقبله ، ولقد أطلقت على هذا النوع من المدراء مسمى ” مدير بالبركة ” ، لأنك لا تجد لديه خطة ولا هدف ولا تحدٍ ولا رؤية ولا طموح إنه مدير يعمل ويدير فريق عمله بالبركة ، لا تجد لديه إجابات على تساؤلاتك ، ولا كم معرفي أو نقاش منطقي ، يجمع حوله مجموعة من المطبلين كي يكونوا خط الدفاع الأول تجاه أي اعتراض أو نقاش أو محاولة تغيير ، ويحظون بالاصطفاء المادي والمعنوي ومن يزغ منهم عن أمره ستحل عليه اللعنة ويطرد أو تحاك ضده المؤامرات .
بينما ” مدير البركة ” مشغولٌ في تنمية فريق عمله ، همه الأول أن يكون كل واحدٍ منهم أفضل منه في مجاله ، فتجده يحرص على أن ينخرطوا في دوراتٍ تدريبية احترافية ، ويحفزهم ويدفعهم بشكل يومي للبحث والقراءة في تخصصاتهم العملية ومعرفة المستجدات وآخر التقنيات والنظريات .
” مدير البركة ” لا ينتظر أبداً من فريق عمله أن يطالبوا بحقوقهم لأنه أصلاً وفرها لهم إن كانت تحت سلطته أو يسعى لتوفيرها إن كانت تحت سلطةٍ إدارية أعلى ، لأنه يدرك أن الإنجاز الكفوء يحتاج إلى ذهنٍ صافٍ وإلى نفسٍ راضية ومطمئنة .
” مدير البركة ” لا يطلب من فريق عمله أن يعاملوه على حسب مزاجه ، بل هو يعاملهم بحسب فروقاتهم الفردية ومستوياتهم النفسية ، يحرص على التفريق بين الموظف الغاضب والعاطفي والمادي والمزاجي والحساس .. ووإلخ
“مدير البركة ” لا يعامل فريق عمله على أنهم طواحين تعمل بكبس الزر فتخرج القمح ، بل يعاملهم على أنهم شركاء نجاح – حقيقةً لا ادعاء – ويدرك تماماً أنه لولاهم لما تم تحقيق الإنجاز والتقدم الملحوظ في العمل .
“مدير البركة” يعلم أن مصلحة العمل فوق كل اعتبار لكنه يدرك أيضاً أن كل موظف يبحث عن مصلحته الخاصة فيوازن بينهما .
“مدير البركة” شفاف يقبل النقاش والاعتراض ويبرر مواقفه بكل ثقة ولا يأخذ خلافات العمل على محملٍ شخصي .
باختصار “مدير البركة” هو من يضيف المزيد من القيمة لك ولفريق العمل وكلما زادت تلك القيمة كلما زادت بركته .
إن الأنماط التقليدية لكثير من المدراء منزوعة البركة ولذا هم يُسيّرون العمل – كما نقول باللهجة العامية – بالبركة ، إن المجتمع الوظيفي كغيره من المجتمعات الأخرى يحتاج إلى اهتمام مستمر وتطوير لا يتوقف وإلى إدراك عميق لطبيعة البشر وسلوكياتهم ومن ثم التعامل معهم وفقاً لها وللتغيرات التي تطرأ عليها ، ومن ينظر للغرب الذي نجح نجاحاً باهراً على المستوى الإداري نجده يتفنن في مراعاة الجوانب السلوكية للعاملين لأنهم يدركون مدى عمق تأثير ذلك على الإنتاجية والابتكار والولاء .
ألا تتفقون معي أنه يجب أن نبدأ من الآن بتصنيف المدراء إلى (مدير البركة و مدير بالبركة ) ؟! .
أحمد بن عبدالعزيز الجبرين
1438/2/2
لفت نظري في هذا المقال أمرر كثيره
المقابلات الشخصيه ومدتها الزمنيه ، اقرأ ساعتين واندب حظ جعلني اخوض تجربة مقابله في دقيقتين ، نعم مقابلة من دقيقتين هي كل ما لزمهم ليحكمو علي وعلى الكثير ممن كانو معي اكثر من 40 مقابلة تم الانتهاء منها في زمن لا يتجاوز 3 ساعات
المدير وكيف يسرب خبرته لمن عنده كيف يحرص عليهم ولكن كيف اذا كان المدير يخاف من موظفيه يسرق انجازاتهم ويحتكرهم في زاويه ضيقه لا يسمح لهم بالتطوير وفق ضوابط الشركه ولا يسمح لهم من تطوير انفسهم
من يقيم المدير من يعزله اذا اساء ويقيم اعوجاجه اذا مال
ماهي معاييرهم
يبدو يا استاذي الكريم اننا في كثير من شركاتنا نسير بالبركه ونسينا مفهوم البركه حتى صار ماتحدثت عنه كأنه بالنسبة لي سراب بقيعه
إعجابLiked by 1 person
الحديث ذو شجون ..تركيبة الفكر الإداري العربي عتيق جدا وغير قابل لأي تطوير متكامل
الجيل الجديد رائع لكن يحتاج لأمرين الخبرة والتمكين ..
شكرا عزيزي لتعليقك .
إعجابإعجاب