مدونة " أحمد بن عبدالعزيز الجبرين "

كم هي غريبة هذه الحياة التي نعيشها .. بمواقفها وحوادثها .. يخيل إليك أنك تمتلك زمام الأمور وفي لحظة تدرك أنك كنت في الاتجاه المعاكس .. تشعر بأنك تجري بسرعة الفهد ثم ما تلبث أن تهوي فجأة في فخ الغابة المغطى بأوراق الشجر ..

تتخذ قراراً ..

تسعى وراء حلم ..

تحدد هدفاً ..

تشتهي أمنيةً ..

ثم ما إن تلبث قليلاً إلا ويصيبك الإحباط .. لأنك لم تلمح بوادر استجابة أو حتى نوراً يدل على نهاية النفق المظلم ..!

ترى من حولك قد حققوا ما كنت تتمناه لنفسك رغم أنهم لم يبذلوا – في نظرك – الأسباب التي بذلتها أنت فتتسآئل لماذا ؟! ما الخطأ الذي ارتكبته ؟ لماذا هذا العالم كريه ظالم ؟!

لماذا كلما تقدمت خطوة نحو أحلامي أجدها تبتعد عشر خطوات .. لماذا كلما حاولت الولوج لباب أمنياتي أجده موصداً .. منظره عتيق ألوانه باهتة .. تكسو مفاصله الصدأ ..؟!

لأجل هذه التساؤلات وهذه الحيرة التي أراها تعلو وجوه وملامح الكثير من حولي كتبت هذه الأسطر ..

إن الأمر معقد جداً .. الحياة بتركيبتها العجيبة أعظم من أن نفهم تفاصيلها الدقيقة أو أن نحلل مجريات الأحداث فيها .. إنها خلية متشعبة الأطراف لكنها متصلة ببعضها البعض في تناسق عجيب رهيب ..

ولذا قد تكون خياراتنا هي السبب في تأخرنا تارة

قد تكون شخصيتنا هي السبب

قد تكون نوايانا المخبئة في دواخلنا هي السبب

قد يكون خصمنا الشرس هو السبب

قد تكون نظرتنا للأمور وتقديرنا لأهميتها

قد يكون خوفنا من الناس

قد يكون السبب ظلمنا وبطشنا لمخلوق ضعيف في لحظة نشوة .. قد تكون هرة مثلاً أو حتى نبتة غرسناها ولم نسقها فماتت !! .. ربما !

قد يكون السبب في خيباتنا المتراكمة خذلاننا لأحدهم .. أو تلاعبنا بمن وثق بنا ..

قد يكون بكل بساطة أننا كنا نسير على الطريق الصحيح لكننا لم نصبر واستعجلنا النتائج ..

وغيرها وغيرها من الأسباب ..

لكلٍ منا قصة وحكاية قد نتشابه في العناوين لكننا حينما نسترجع التفاصيل نجد أننا مختلفون ..

حياتنا أشبه بنوتة موسيقى نعزفها كي نصل لختام المقطوعة .. فإن التزمنا بالنوتة فإننا سنستمتع حتى النهاية .. وإن تعثرنا في العزف فإننا سنضطر لإعادة العزف من جديد .. وفي بعض الأحيان ينتابنا الغضب من كثرة الأخطاء فنتناول النوتة ونمزقها .. حينئذٍ سيتحول عزفنا إلى مقطوعةٍ نشاز لن نرغب بالاستمرار فيها .. فانتبه من تمزيق النوتة وإلا لن تستمر في العزف (الحياة) ..

إن سر النجاح في الوصول إلى خياراتك .. وعدم تمزيقك للنوتة هو الصمود .. نعم .. إنه الصبر فبقدر صمودك على تلك الرياح التي تقتلع أوراق راحتك وتحني عودك نحو هاوية السقوط .. بقدر ما تقترب من موسم الربيع حيث تزهر فيه حظوظك وتثمر فيه أحلامك .. لكن بشرط أن تكون قد هيأت الأجواء ووفرت التربة الجيدة واستمررت بالسقيا دون ملل ..

إن أعظم قصص النجاح هي تلك التي خرجت من رحم المعاناة والألم والحرمان .. لأن أصحابها لم يمزقوا نوتاتهم ولم يستسلموا لتلك الرياح العاتية لتوقعهم أرضاً .. فعادوا أقوى وأكثر إصراراً ..

وإليك سرٌ آخر .. سيعينك كثيراً على كبح جماح غضبك وعدم تمزيقك لنوتة معزوفتك ..

إنه التأمل والمراجعة ..

راجع ذاتك باستمرار ..

قد لا تفهم شيئاً في البداية ..

قد لا تتوصل لمكامن الخلل أول الأمر .. لكن مع تكرار المراجعات .. ستصل ..

إن ذاتك تحب منك أن تخصص وقتاً لها .. تتحدث إليها .. تستمع إليها من الأعماق وبكل حب كي تفهمها .. وإذا لم تفعل ذلك ستهجرك .. ستسافر بعيداً عنك كما يفعل المحبون إذا وجدوا الإهمال من أحبائهم فإنهم يحزمون أمتعتهم ويرحلون .. حينها ستشعر بوحشة وغربة سترافقك طول حياتك ..

إنها الحياة يا صاحبي ..

لك أن تختار ما تريد .. لكن يجب أن تتحمل نتيجة اختيارك ..

يجب عليك أن تفهم أسرار الحياة كي تستطيع إدراك ما يجري لك ..

مهلاً لحظة ..

هل تظن أنك ستفهم أسرارها ؟!!

أنت تحلم .. نحن بإمكاننا فقط أن نقترب من الفهم وهذا بحد ذاته سيحتاج إلى جهدٍ كبير ستستطيع تحقيقه إذا تعاملت مع ما أخبرتك به في هذا المقال بكل جدية ..

أخيراً اتخذ صديقاً حكيماً صادقاً .. إن وجدته في هذا الزمان فلا تفرط فيه ..

أتمنى لك حياة مليئة بالأحلام المحققة .

أحمد عبدالعزيز الجبرين

11/2/1438هـ