في كل بيئة عمل هناك قائمتين في أذهان المنتمين للمجتمع الوظيفي ، قائمة معلنة وقائمة سرية ، وهذا شيء بديهي فالقوائم المعلنة هي تلك التي تتحدث عن مصلحة العمل وتحقيق أهداف المنظمة والمصلحة العامة وشركاء النجاح وقائمة طويلة من الشعارات والعبارات الرنانة يتم التغني بها ليل نهار لكسب التأييد وتحفيز الناس للعمل .
أما القائمة السرية ( غير المعلنة ) هي تلك التي تضم المصالح الشخصية والرغبات الخاصة والعداوات وتصفية الحسابات وغير ذلك من حظوظ النفس التي لا يمكن إظهارها إلا لمن توافقت أهوائهم واحتاجوا لدعم بعضهم البعض كي يستطيعوا تحقيقها ، ولا تخلو أي منظمة من هاتين القائمتين لأن ذلك من الطبيعة البشرية ، إلا أن وجود القوائم السرية خطير جداً وهو بمثابة الأسلاك الشائكة التي تمنع من المضي قدماً نحو تطوير العمل وتحسين الإنتاجية ، إذاً .. ما المطلوب أن نعمله تجاه هذه القوائم ؟ هذا هو السؤال الذي لأجله كتبت هذا المقال ..
يجب ألا تكون القوائم السرية هي المتحكمة
كما قلت في البداية إن وجود قوائم سرية في بيئة العمل أمر مفروغ منه وطبيعي لكن الخلل يكمن في تمكين تلك القوائم من تحقيق أهدافها على حساب القوائم المعلنة وحامليها ، إن التغاضي عن الموظف النمام على سبيل المثال والذي يحاول نقل الكلام بين زملائه بقصد الإفساد ، أو ذلك الذي يحاول القفز على مهام زملائه ليستعرض مهاراته أمام مدرائه ، أو تلك الأنظمة الداخلية التي تتعامل مع الموظفين بحسب قربهم من مدير الموارد البشرية أو بعدهم عنه ، أو ذلك المدير الذي لا يرى إلا ( شلته ) فهم المحظيون بكل المميزات والاستثناءات أما من هم خارج دائرة ( الشلة ) عليهم أن يعملون بصمت ودون نقاش وطبعاً بدون مميزات .. وغير ذلك من الأمثلة على مظاهر غير صحية توحي بوجود قوائم سرية تمارس نفوذها داخل المنظمة .
بهذا تكون القوائم السرية قد فعلت فعلتها في المنظمة ليس بتحقيق مآرب فئة على حساب فئة فحسب ، بل يتعدى الأمر ذلك إلى أن تصبح بيئة المنظمة بيئة مريضة ملوثة وسيطال هذا التلوث عقول الجميع حينئذٍ وكأننا نرى فيلماً من أفلام الخيال المرعب التي تتحدث عن عدوى (الزومبي) .. إنه كذلك بالضبط ، فيصبح الجميع يشكّون بالجميع ، ويحملون أي تصرف أو كلمة على محمل سوء النية التي تبثها وتنفثها تلك القوائم السرية ، ويبدأ الجميع بلا استثناء بإعداد قوائم سرية خاصة بهم ويلهثون خلف تحقيقها ويردد أحدهم في غمرة الحرب الطاحنة (فلتذهب المنظمة إلى الجحيم ، أنا ومن بعدي الطوفان) ..
إن الحل الوحيد للقضاء على (زومبي) القوائم السرية هو بالعقوبة الصارمة والواضحة “لكل” من تسول له نفسه أن يحقق قائمة سرية مهما “صغر” حجمها ، بشرط أن يطال العقاب الجميع وليس فئة دون أخرى، كما يجب وضع أنظمة وتشريعات وسياسات غير قابلة للتأويل وتطبيقها على الجميع دون استثناءات .
تعزيز أهمية دور العاملين بالقوائم المعلنة
مما يساعد على تلاشي قوة القوائم السرية وسيطرتها هو منح الثقة والتقدير المادي والمعنوي لمن يحققون نتائج القوائم المعلنة على أرض الواقع ويساهمون في تطويرها وتنميتها وتعظيم أثرها دون اعتبار للمسميات والمناصب والقرب والبعد من أصحاب القرار والسلطة ، وهذا أمرٌ ليس سهلاً بل يتطلب قائداً حكيماً لمّاحاً ..
إن أبشع بيئة قد تعمل فيها على الإطلاق هي تلك البيئة التي تمنحها كل شيء ولا تعطيك أي شيء وفي المقابل هناك من يقدم نتائج أقل منك ويحظى بما لم تحظى به أنت ، وهذا ما يجعل نبتة القوائم السرية الخبيثة تنمو في أذهان فريق العمل .
الحذر من أن يكون لقائد المنظمة أهداف سرية
وهنا تكمن الطامة الكبرى ، حيث أن أي خلل يمكن إصلاحه إلا أن يكون الخلل في القلب النابض ( القائد ) ، وهذا النوع من القادة غالباً تكون نيتهم مبيتة بالانتفاع من أكبر قدر ممكن من المنافع الشخصية الموجودة على قوائمهم السرية قبل أن يقال لهم تنحو عن الكرسي ، وأغلب مظاهر وصفات القادة الذين يمتلكون قوائم سرية ، هم أولئك الذين يرددون شعارات إدارية جميلة في كل مناسبة ويؤكدون على أهمية الكفاءة والفاعلية في المنظمة ثم هم أول من يخالفها ، كذلك هم سريعوا التقلب قلقون ومتذبذبون حيال قراراتهم لأنهم يخشون ألا تتماشى بالضبط مع قوائمهم السرية ، يحبون أن يطلعوا على كل شيء ويتخذون كل القرارات ولا يمنحون الثقة إلا لمن لا يهدد قوائمهم بل يدعمها ويهتم بها وهم يعرفون هذا النوع من الموظفين جيداً فالطيور على أشكالها تقع .
القوائم السرية المباحة
هناك قوائم سرية تحوي رغبات شخصية مشروعة كرغبات الترقي والمكافآت المالية والمنصب وإكمال الدراسات العليا أو أي حافز مادي أو معنوي وهذا الرغبات إذا وجدت قائد حكيم يهتم برغبات فريق العمل تماماً كما يهتم بمصلحة المنظمة ويتعاطى بشفافية ووضوح وعدالة مع كل رغبة بدون وعود كاذبة أو تجاهل صفيق فإن القوائم السرية الأخرى ( غير المباحة ) ستكون ضعيفة جداً وليس لها أي تأثير يذكر ..
أحد المدراء جمع فريق عمله بعد شهر من توليه المنصب ثم قال لهم أريد منكم أن تكتبوا لي رغباتكم الشخصية التي تتمنون تحقيقها من خلال وظيفتكم خلال الثلاث سنوات القادمة ، كتب له الجميع ، ثم بدأ بعقد جلسات خاصة مع كل موظف ليناقشه حول ترتيب أولويات رغباته وما يستطيع تحقيقها له وما لا يستطيع وماذا يتوجبه على الموظف عمله كي يحظى برغباته بكل وضوح وشفافية ، كانت هذه الخطوة كفيلة بتكوين بيئة عمل قائمة على الثقة والأمان والاحترام ..
لا شيء كالمصارحة والوضوح في تنقية الأجواء وجعلها صحية وقابلة للعيش والتعايش فيها ، ولا شيء كالتجاهل والغموض وانعدام الشفافية في انتشار أمراض المجتمع الوظيفي .
فهل سنكون يداً واحدة ضد القوائم السرية .. ؟
أتمنى من كل قائد أن يقول نعم سنكون .
أحمد عبدالعزيز الجبرين
30-4-1438 هـ
اهلكتنا التكتلات ونقل الكلام وكأننا في استخبارات
فلان الشاطر من يصنع له لوبي يحمي اسمه وينشر انجازه ويسرق من انجاز غيره ليحقق ذاته
تعبنا من الاحباطات التي تغلف المؤسسات لأن من فيها يعلمون انهم ليسو من المحضيين وذوي الكلم المسموع
نسمع بالرقابه ولا نراها نسمع بالنزاهة ونترحم عليها ونسمع بالكثير ولا نرى الا فتات
القائد او رئيس مجلس الاداره لا يسمع الا من وسطه ووسطه يعمل لمصلحته ثم الاقرب فالاقرب
والناتج موظف هزيل عمليا محبطا كاره للدوام معادي للانجاز
فكيف بالله سيكون المستقبل
قلت الكثير يا استاذ فتحت جروحا وظيفية مخفيه والذي لم يقال اكثر
هذا الداء فكيف السبيل الى الدواء ؟
إعجابLiked by 1 person
مشكلتنا ياعزيزي سلوكية ثقافية .. ولذا نحتاج زمن طويل للتخلص من هذه اللوثة
الأمل في الأجيال القادمة كبير
شكراً لمرورك وتعليقك ..
إعجابإعجاب
جزاك الله خير الجزاء انت فعلا وضعت يدك على الجرح والله ثم والله انها تدمر مجتمعات وهذا فعلا ما يفعل في اغلب الإدارات الا من رحم الله
إعجابLiked by 1 person
وإياك .. سعيد بمرورك وتعليقك
إعجابإعجاب