لكل مهنة تحولات تاريخية تمر بها بحسب الظروف والبيئة التي تحتم على خبراء تلك المهنة أن يستشرفوا المستقبل بعين البصير ولذلك لإدخال التعديلات اللازمة على معايير تلك المهنة كي تساهم في العملية التطويرية والبقاء على قيد العمل والحفاظ عليها من الاندثار والزوال .. وفي بعض الأحيان قد نجد أن العديد من المهن قد أقامت تحالفات واندماجات مع تخصصات أخرى كانت تربطها نقاط مهنية مشتركة قد أصبحت أكثر تداخلاً وترابطاً كلما تقدم الزمن .. ومن تلك المهن التي واجهات منعطفات كثيرة واندماجات عديدة هي مهنة العلاقات العامة والإعلام .. وحديثي هنا يشمل جميع القطاعات ( الحكومي والخاص ) وإن كنت سأركز على القطاع الحكومي تحديداً لأننا في المملكة نستعد لنقطة تحوّل شديدة العمق ولذا كان لزاماً أن تكون قطاعات الدولة بكامل جهوزيتها لإنجاح عملية التحول تلك والمتمثلة برؤية 2030 ..
وإدارة العلاقات العامة والإعلام هي لاعب رئيس في المساهمة لدفع الجهة التي تمثلها نحو الطريق الصحيح لتحقيق برامج التحويل نحو رؤية 2030 بحكم أنها الجسر الذي يصل بين المنظمة وجمهورها .. وإن كان هذا الكلام لا يقتنع به الكثير من المسئولين في قطاعاتنا الحكومية إلا أن هذا هو الواقع ولا أريد أن أطيل في هذه النقطة فقد تحدثت في مقال سابق عن واقع العلاقات العامة والإعلام في القطاع الحكومي ومدى أهميته .
تحوّلات قادمة
إدارة العلاقات العامة والإعلام مرت في بيئتنا عبر عدة تحولات سريعة في النصف قرن الماضي – وفي الغالب أن التغير كان شكلياً أكثر من أنه كان عميقاً – فمن كون كل جهة حكومية لديها إدارة علاقات مستقلة عن إدارة الإعلام إلى دمجها في إدارة واحدة ثم تطور الأمر لإدراج قسم الهوية البصرية ضمنها ثم لم تلبث إلا وأضافت لجعبتها قسم إدارة مواقع التواصل الاجتماعي ثم تدرج الأمر إلى تغيير المسمى الاعتيادي ( إدارة العلاقات العامة والإعلام ) إلى ( إدارة الاتصال المؤسسي ) .. ثم آخر ما تم الوصول إليه لدينا هو إدراج قسم التسويق ضمن هذه الكوكبة من التخصصات ..
كل هذه التحولات في مدة زمنية قصيرة شيء جميل .. إلا أن الإشكالية كما ذكرت آنفاً أن أغلب هذه التغييرات كانت بطريقة شكلية بحتة ولم تراعي الهدف والمقصد الحقيقي منها ولذا لازلنا نشكو من عدم فاعلية تلك الإدارة في أغلب الجهات الحكومية .. ولهذا أسبابه وقد تناولتها في مقال سابق أيضاً ..
الآن وفي ظل المتغيرات العالمية من جهة والمتغيرات الداخلية من جهة أخرى باتت هذه المهنة على أعتاب تغيرات جذرية يجب التنبه لها واستشرافها وعمل الخطط الاستراتيجية المناسبة للتدرج نحو الوصول لإدارة اتصال مؤسسي ترفع من شأن المنظمة التي تعمل لصالحها ..
أبرز الملامح المؤثرة
حينما دخلت وسائل التواصل الاجتماعي على خط التأثير المجتمعي أحدثت خلخلة لأصحاب مهنة العلاقات العامة والإعلام وأيضاً التسويق وأصبحوا يتخبطون كثيراً في استخدام تلك المنصات لأغراض التأثير على الرأي العام مما أحدث ردة فعل عكسية لدى الجمهور وعدم رضا عن ما يتم طرحه مما جعل المختصين في تلك الجهات في حيرة من أمرهم وأوقعهم في حرج أمام رؤسائهم لعدم تمكنهم من تحقيق الأهداف المنشودة .. اليوم اكتسحت وسائل التواصل الاجتماعي الساحة بشكل مخيف ولذا أصبح لزاماً تغيير الكثير من استراتيجيات التواصل لدى تلك الجهات .. وهذا الملمح المؤثر هو الملمح الملموس حالياً والذي أرى أن من السهل التعامل معه إذا كان لدى تلك الجهات الخبراء المؤهلون ..
أما الملمح الآخر فهو حديث الساعة والذي لا نعلم حتى الآن ما هو مدى التأثير الفعلي له على هذه المهنة وهو مجال الذكاء الاصطناعي .. والذي بلا شك سيغير وجه العالم برمته وليس العلاقات العامة فقط .. ولذا كان من الواجب على أي جهة تريد أن تتميز البدء بإعداد البحوث واستشراف المستقبل والاستعانة بالجهات المتخصصة في هذا الجانب لتهيئة فريق العلاقات العامة لهذه المرحلة النوعية ..
هذا فيما يتعلق بالملامح المؤثرة الخارجية .. أما الملامح المؤثرة على المستوى الداخلي فبلا شك أن رؤية 2030 هي أبرز وأهم ملمح مؤثر سيجعل من الجهة التي لا تطور من مستوى هذه المهنة لديها في ذيل القائمة .. ليس لأن جهودها لن يتم إبرازها فحسب .. بل لأن من أهداف إدارة العلاقات العامة والإعلام أو ( الاتصال المؤسسي ) هو الدفع بالمسئول نحو المزيد من الإنتاجية التي تتسم بالكفاءة والفاعلية وهذا ما لا يعترف به أغلب المسئولين وما لا يعلمه ولا يتقنه أغلب من يتولون منصب “مدير العلاقات العامة ..” ولذا ستكون في ذيل القائمة .
الدور الحقيقي هو المساهمة في التنمية
تم قبل فترة قصيرة إنشاء إدارة التواصل الحكومي من قبل وزارة الثقافة والإعلام مشكورة وأرى أن هذه الخطوة إيجابية بشكل كبير إذا تم استغلالها لتدعيم الأدوار التنموية لإدارات الاتصال المؤسسي في الجهات الحكومية والرفع من مستوى الوعي والمعرفة لدى مسئولي تلك الإدارات وتهيئة قيادات تستطيع إدارة دفة العلاقات العامة لتحقيق الأهداف السامية لها ومن ثم تحقيق هدف الحكومة من تطوير أداء القطاع العام .. ولا ينبغي أن يكون دور إدارة التواصل الحكومي مقتصراً على اجتماعات جوفاء وأدوار ثانوية وإلا لن يكون هناك أهمية تذكر من تأسيسها .
وختاماً .. التحول يحتاج لاستعداد مسبق ..
من يستعد سيكون هو أكثر الناس ظفراً بالغنائم .
مقالاتي السابقة التي لها علاقة بالموضوع