” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف “
في حقبٍ مضت كانت القوة تتمثل في الأذهان بأنها البنية الجسدية واللياقة البدنية…وهذا تفسير طبيعي _ رغم أن قصره على هذا المفهوم غير سليم _ فلم يكن في ذلك الزمن دور نشر ولا مجامع أبحاث ولا فضائيات ولا إنترنت ولا أي مصدر من مصارد المعرفة الثرية ..
وبالرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم في حياته أراد أن يرسخ مفهوم أن القوة البدنية ليست هي المفهوم الوحيد لقوة المسلم .. وذلك في عدة مواقفٍ ومناسبات فقد قال ” ليس الشديد بالصرعة .. إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ” وحينما ضحك الصحابة رضي الله عنهم على ضعف ودقة ساقي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال لهم صلى الله عليه وسلم ” والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد ” وفي معركة الخندق لم يكن النصر بسبب القوة البدنية بل كان بسبب قوة الفكر والعقل بعد توفيق الله حينما أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه بفكرة حفر الخندق ..
إلا أن مفهوم القوة البدنية ظل مسيطراً علينا حتى زماننا هذا.. ولم يدرك المسلمون حتى الآن مفاهيم القوة الجديدة خصوصاً بعد عصر الانفتاح والتكنولوجيا والتقنية الحديثة ..
لقد تلاشت حظوظ القوة البدنية كثيراً أمام قوة العقل والمعرفة .. ذلك العقل الذي استطاع صنع الدبابات والطائرات والقنابل والمفاعلات .. ذلك العقل الذي وصل إلى الفضاء وتعمق في التقنية ليجعل من العالم قرية صغيرة فاستطاع أن يحكم بقبضته على الجميع ..
وفي زمن السلطة الخامسة ” الإنترنت ” أصبح المحتوى المعرفي أكثر توافراً والمعلومات أسرع وصولاً والخبرات أسهل اكتشافاً والتواصل أكثر مرونة .. فأضحت حظوظ المعرفة في امتلاك زمام القوة أكثر من ذي قبل ..
هنالك فارق كبير جداً حينما تجالس شخصين يتحدثان عن موضوعٍ ما .. أحدهما تبهرك طريقة عرضه للموضوع وإلمامه بتفاصيله .. والآخر من أول سؤالٍ تطرحه عليه يتلعثم ويتهرب من الإجابة ..
إنها قوة المعرفة .. التي تلم بالتفاصيل وتنبش في الخفايا وتفترض المشاكل وتضع الحلول .. وتطبق على الواقع .. وتُقيِّم التجربة وتقيس الأداء .. ولا تنفك عن البحث والتطوير ..
ولذا فإن المعرفة ليست مجرد شهادات عليا هدفها وضع حروف مختصرة قبل الاسم الأول ويكون هذا هوا آخر عهده بمعرفته المكتسبة ..
وأهمية قوة المعرفة لاتنبع من كونها تتعلق بالأفراد فقط بل مصدر أهميتها أنها ممول لقيام الحضارات وتشييد السلطة في عصرنا الحاضر ..
لقد أصبحت قوة الفرد والمجتمع والسلطة والاقتصاد مرهونة بما يمتلكونه من معرفة متنامية لابما يمتلكونه من ثروات ومعدات ..