حينما نتناقش حول أهمية دور العلاقات العامة والإعلام في الجهات الحكومية ونحن نرتشف فنجاناً من الشاي أو كوباً من القهوة فإن الجميع لا يختلف حول أهمية هذا الذراع الحيوي لأي منشأة حكومية ، لكن حينما تجف أكوابنا وننفضّ من مجلسنا ونقوم إلى ميدان العمل وفي زحمة الأحداث لا يكاد يتفق اثنان على الدور العملي الذي يجب أن تقوم به تلك الإدارة .
إنها أزمة أزلية في جهاتنا الحكومية وكلي أمل ألا تكون أبدية .. وهذا ما يفسر الكثير من التخبطات التي تثير الشارع وتستفز الجمهور ..
دائماً حينما نريد أن نحلل ونعرف مصدر الخلل في قضية ما يجب أن نبتعد عن ذكر الأسباب السريعة الطافية على السطح وأن نحاول الغوص في العمق حتى نستطيع فهم التركيبة المعقدة للمشكلة ، لأنه من النادر أن تجد سبباً واحداً فقط للمشكلة ، وفي قضيتنا الأسباب متعددة سأختصرها بالتسلسل التالي :
مدير علاقات عامة وإعلام غير كفوء ، مدراء إدارات يرغبون بالظهور الإعلامي وكسب العلاقات مع الجهات التي تتعامل مع منظمتهم ، بيئة عمل ذات مهام سائبة لا زمام لها ولا دليل إجراءات ينظم عملها ، مدير منظمة يسعى للتلميع ويملي على مسئول العلاقات العامة والإعلام ما يجب عليه فعله .
في الغالب أن أي جهة حكومية لا تخلو من هذه الأسباب مجتمعة أو متفرقة ، إن أساس نجاح أي منظمة في التعاطي مع الجمهور وتحسين الصورة الذهنية سواءً كانت في قطاع عام أو خاص هو في توظيف الرجل الكفوء أولاً ثم بمنحه الصلاحيات ومساحة الحرية التي من خلالها يستطيع تجنب الصراع مع جمهور هذه المنظمة ومنحه ميزانية كافية لخططه وبرامجه التواصلية مع الجمهور وإشراكه في صنع القرار الداخلي وسماع رأيه وملاحظاته وأخذها بعين الاعتبار ، هل تعلمون أن في أوروبا مثلاً يتم حجز كرسي لمدير العلاقات العامة والإعلام في اجتماعات مجلس الإدارة في المنظمات المحترمة !!
إن أهمية العمل الاحترافي في إدارة العلاقات العامة والإعلام تتضح جلية حين وقوع الكوارث أو التغييرات الطارئة الجذرية التي تمس الجمهور مباشرة وهذا ما لاحظناه في كثير من المستجدات على صعيد القطاع العام ولعل آخر حدثين مرّا على الشارع السعودي هما تصريحات وزيري الإسكان والمياه والتي استفزت الجمهور بشكل كبير ولاقت ردود أفعال متشنجة على نطاق النُخَب والكتاب والإعلاميين والمهتمين ، إن طريقة التعاطي مع المستجدات وخصوصاً تلك التي تمس ثقافة متجذرة أو مفاهيم مترسخة أو سلوكيات باتت عادات مجتمعية أو قضايا مرهقة لكاهل السواد الأعظم من المواطنين يجب أن يراعى فيها أن تكون بأساليب مدروسة بعناية تتسم بالتدرج والوضوح والقرب والمصداقية مع الجماهير ، من خلال فهم للسلوك الإنساني وما يؤثر عليه سلباً أو إيجاباً وهذا يحتاج لأشخاص يستوعبون عمل العلاقات العامة والإعلام الإنساني كي يطبقونه بصورته الرائعة الممتعة التي من شأنها أن تساعد الجهة الحكومية على تحقيق أهدافها التنموية وفي ذات الوقت تثقف وتوعي وتطمئن المواطن البسيط بأن ما يتم وما سيتم هو في مصلحته ومصلحة أبنائه .
المملكة في المرحلة الحالية وبجميع جهاتها الحكومية تحتاج إلى استيعاب لأهمية هذا الدور الذي تضطلع به العلاقات العامة والإعلام وتفعيله بالشكل الاحترافي لاحتواء أي ردود أفعال وليس ذلك فحسب بل لإشراك المواطن في هموم وطنه وتطلعاته ونهضته القادمة على الأبواب بإذن الله .
تعقيب: مستقبل العلاقات العامة والإعلام | مدونة " أحمد بن عبدالعزيز الجبرين "