تحريض الجماهير .. ورؤية 2030م

1427481031215103400

هل التحريض دائماً سلبي

ما إن نطلق كلمة ” جماهير ” ونردفها بكلمة ” تحريض ” حتى يستدعي الذهن مباشرة معاني تدور حول “الثورة”..”الشغب” .. إلخ ، ولعل ذلك أيضاً هو أول ما تبادر إلى ذهنك أيها القاريء الكريم حينما قرأت عنوان مقالي هذا .

ومن المعروف أيضاً أن الجماهير عاطفية التوجه بغض النظر عن مراتب وعقليات وشهادات الأفراد المنخرطين فيها لأنهم حينئذٍ ينصهرون لا شعورياً في تيارٍ لا واعي وفي حال استثارة قضية أو فكرة أو توجّه معين من شخص مؤثر داخل الجمهور فإن بقية الجماهير التابعة تتلقفها بلا وعي على أنها حقيقة راسخة يجب الاستماتة من أجلها وينافحون عنها أشد من صاحب القضية نفسه .

وتنشأ الحاجة لاستثارة وتحريض الجماهير حال وجود مصالح لجهات أو جماعات أو شركات أو دول وتريد أن تحققها .. فلا سبيل لها إلى ذلك إلا من خلال الجماهير .. فالجماهير بعاطفتها الجياشة تستطيع تحقيق المعجزات وتتبنى أي قضية بلا شروط ولا قيود ولا مقابل حتى .. فقط تحتاج إلى خطابٍ مؤثر يلامس القلوب وشرارة تشعل الفتيل واترك الباقي عليها .

وتشتد الحاجة للتحريض الجماهيري الضخم كلما اشتدت أهمية القضية .. فالثورات قديمها وحديثها لم تقم إلا من خلال الجماهير .. وحملات المقاطعة وصناديق الاقتراع والدفاع عن الأوطان ووإلخ ، لا تقوم هذه القضايا الكبرى إلا من خلال تحريض جماهيري مُعدّ ومرتب له بعناية كي تتحقق المصالح المرجوة ، وإذا ما قصرنا الحديث هنا عن مصالح الدول فإنه كما ذكرت في بداية المقال لا زالت الأذهان تربط تحريض الجماهير بالسلوك السلبي المدمر ، فتجد بعض الدول تتعامل مع الجماهير بردود الأفعال فقط من خلال إخماد حرائق الثورات وأعمال الشغب هنا وهناك ، بينما الدول الأكثر وعياً وذكاءاً أدركت أن هناك شقٌ آخر من التحريض وهو ” التحريض الإيجابي ” والذي بإمكانه أن يكون ذراعاً أساسية في منظومة البناء وتحريك جهود التنمية نحو الأمام ، وأرضاً خصبة لزرع الأخلاقيات والسلوكيات الاجتماعية السامية في النفوس ، وعصاً سحرية لترسيخ الولاء ” الحقيقي ” للوطن .. هذه الفوائد الثلاث عبارة عن خطوط عريضة نستطيع من خلالها جني المزيد من الفوائد الأخرى في حال استخدمنا التحريض الإيجابي للجماهير .. يقول غوستاف لو بون : ” إن الجماهير إذ تُحرَّض بذكاء تصبح قادرة على البطولة والتفاني من أجل قضية نبيلة ، وهي أكثر قدرة على ذلك بكثير من الإنسان المعزول “

إن أي مجتمع بلا شك تتكون فيه مجموعة من الجماهير تختلف مشاربها وتوجهاتها بحسب من يحرِّكها ، لأننا اتفقنا على أن الجماهير دافعها عاطفي غير مبني على تحليل ونقد ، وفي حال تخلت أي دولة عن قيادة الجماهير وتحريضها نحو مصالح الوطن وقضاياه الكبرى فإن هذه الجماهير ستكون عرضةً لمن يتلقف عواطفها ويؤثر فيها لمصالحه الحزبية أو السياسية أو الطائفية .

المملكة ورؤية 2030م

إن وطننا اليوم والمحبون له لا زالوا يحتفلون بما أستطيع أن أسميه ” السعودية الجديدة ” والتي تبنت رؤية طموحة لن تغير من شكل المملكة فحسب بل ستغير خارطة المنطقة ككل ، وليس هناك أدنى شك لمن يستطيع التحليل والحدس وبعد النظر أن يدرك أن التوجه نحو التغيير هذه المرة هو توجهٌ جاد وحقيقي ، إلا أن سنة الحياة تعلمنا أن أي تغيير وخصوصاً تلك التغييرات الكبرى المصيرية تحتاج إلى مراحل من الفوضى والمخاض الشديد حتى تبدأ تظهر بعد ذلك آثاره ، ولذا فإن وطننا اليوم بات شديد الحاجة لتحريضٍ جماهيره نحو هذه الرؤية بشكلٍ إيجابي وذلك عبر برامج علمية تفهم سلوك الجماهير وتستطيع التأثير عليها وتزويدها بالمعرفة الحقيقية بكل وضوح وشفافية وترتقي بمشاعرها نحو آفاق سامية ، حتى نستطيع قطع الطريق على المخذلين والمصطادين بالماء العكر والذين يستغلون عاطفة الجماهير لإدخال الإحباط في النفوس بغية إفشال ما يسعى له وطننا من تنمية وإصلاح .

مبادرة

وحتى يكون للمقال شقٌ عملي بعيداً عن التنظير فإني أقترح على من يستطيع إيصال صوتي لأصحاب القرار أن يتم إنشاء ” مكتب ” أو ” لجنة عليا ” – أياً كان المسمى – للقيام بالأدوار التالية :

  • صناعة هوية إعلامية للمملكة عبر استراتيجية واعية ومدركة ومتماهية مع تفاصيل وتوجهات الاستراتيجية العامة للدولة .
  • صناعة وإطلاق مبادرات خلّاقة لحشد وتحريض الجماهير لصالح أهداف التنمية عبر برامج قصيرة وطويلة المدى وتنفيذها ومتابعتها والإشراف عليها .
  • التنسيق والتكامل مع جمع قطاعات الدولة لإنجاح تلك المبادرات عبر مجلس إدارة مكون من ممثل عن كل وزارة أو جهة حكومية وكذلك ممثلين عن القطاع الخاص .
  • إشراك المؤثرين والخبراء وأصحاب الرأي وعقد ورش عمل معهم وجعلهم سفراء لهذه المبادرات .

أزعم أن هذا لو تحقق فإننا سنُعظّم الاستثمار في رؤية 2030م عبر تهيئة جيل ومجتمع قادر على أن يحمل رسالةً نبيلة وأن يعيش المواطنة الصالحة .

أحمد بن عبدالعزيز الجبرين

2/12/1437 هـ

الإعلان

4 تعليقات على “تحريض الجماهير .. ورؤية 2030م

  1. هذه المرة الأولى التي أقرأ فيها عن التحريض الايجابي
    وهو ظاهرة رائعة لو أحسنا استغلالها علما بأنها ليست بعيده عن مجتمعنا السعودي الذي تحركه العواطف الاسلاميه ولكن يبدو اننا لم نصنفها بشكل جيد حتى الان
    كم مرة استثارة المجتمع عبارة استعطاف لمريض ما او فقير ما وكيف تُسد حاجته بلمح البصر ولنا في هذه امثلة كثيرة
    تخيل استاذي لو تبنت جهة حكوميه هذا الامر وبدأت بالاستثارة الايجابيه للجمهور لتعزيز قيمة ما بشكل ممنهج ومنظم كيف سيكون الحال …
    ربما رائع لاتكفيه
    نعم نحتاج عقول كهذه تفكر تصنع لنا سعوده جديده ومستقبل ايجابي بدل ان تحبط رؤيتنا وتشاع بين الجمهير وجه سيء لها
    جميل هذا الفكر يا استاذ وممتع ماتصوره
    دمت بخير

    Liked by 1 person

  2. مقال جميل ، وحلول مبتكرة لتطوير فقط نحتاج الى من يخاطبنا بخطاب مؤثر يلامس القلب ويشعل الفتيلة مثل ماذكرت …

    مقال موفق 👏🏻

    Liked by 1 person

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: